قال الله في
كتابه بصيغة التساؤل التي تدل على التأكيد لمن عرف اللغة العربية و معانيها (أليس
الله بكاف عبده)…
في الثقافة المسيحية قصة رمزية لرحمة الله بعباده و رعايته لهم،
فحواها أن رجلآ بعد موته نظر على الرمال أمامه على شاطيء البحر فرأى مسار حياته
على شكل خُطى و آثار أقدام، كانت مرسومة على رمال الشاطيء آثارٌ لأربعة أقدام
متجاورة، يفهم هذا الرجل منها أن زوجآ من هذه الأقدام له، و الزوج الآخر يرمز لله
سبحانه و تعالى بجانبه أغلب فترات حياته، و لكنه لاحظ أنه في خلال أصعب فترات
حياته كانت هنالك آثارٌ لزوج واحد من الأقدام حيث اختفى من المشهد الزوج الآخر،
فقال لله: أنا عاتب عليك يا ربي، فأنت في أصعب أوقات حياتي تخليت عني فلا أرى سوى
آثار أقدامي أثناء تلك الأوقات العصيبة من حياتي، فرد عليه الله قائلآ: بل هذه يا
عبدي آثار أقدامي أنا حيث كنتُ في أصعب أوقات حياتك أحملك فلم تظهر آثار أقدامك
على الرمال…
كفى
الله البشر أشياء كثيرة ثقيلة لا يلقون لها بالآ و يعتبرونها من المسلمات، فرغم أن
البشر يتباهون أنهم خلفاء الله في الأرض فقد كفاهم الله إدارة الكون، تكفل الله
بالخلق و طلوع الشمس و المطر، تولى موت الناس و ولادتهم و حياتهم، ما الذي كلفنا
الله إياه من التكاليف، كل ما طلبه منا هو أن نتحلى بالأخلاق و الصدق و المحبة و
القيام بعبادته، نحن جنس البشر مدللين و لا يعجبنا شيء، لقد كلف الله ملَك الموت
بقبض الأرواح ، لم يكلفنا الله ما لا نطيق، حتى رُسُلَهُ من أولي العزم مثل
إبراهيم عليه السلام حين أوحى له بذبح ابنه من باب التمحيص و الإختبار، لم يأمره
صراحة بذلك، بل جَعله يرى رؤيا، و لكن إبراهيم أتم كلمات ربه لأنه يعلم أن رؤياه
حق لأنه نبيٌ يوحى إليه، لقد ترك الله له مجالآ من رحمته ليقول هو مجرد حلم، لكن
إبراهيم استحق أن يكون حبيب الرحمن، و حين أراد أن ينفذ ذلك كفاه الله هذا الأمر
العصيب و أرسل الكبش فداءً لابنه.
لو
أن الله أمرنا بما لا نطيق لربما لم نستطع لمحدوديتنا أن نمتثل لأوامره، علم الله
ضعفنا و هو الغفور، و برغم قلة ما كلفنا بعمله جعل الجزاء عظيمآ، و جعل مغفرته و
رحمته تسبقان غضبه فَقَبل توبة المُسيء و أوبة الجاحد و عودة الشارد.
كفى
الله عباده المؤمنين شر الأشرار فجعل له كيدآ يكيدهم فيه، ليسى عليك أن تكون
مُحَنَكآ لتنتصر على عدو يتربص بك، ليسى مطلوبآ منك أن تقضي وقتك تكيد و تخطط،
يكفي أن تُنَقي سريرتك و تكن مع الله و هو سيحميك و سيكفيك العناء.
حين
يتخاصم اثنين ظالمَين تكون الغلبة للأقوى و للأشد كيدآ، لكن حين يتخاصم مظلوم مع
طاغية فإن الغلبة تكون للمظلوم فالظالم لا يحارب المظلوم بل يحارب الله القوي فأنى
له الغَلَبة!
يعمل
الله بطريقة خفية في حياتنا، يجنبنا الشرور و الويلات و نحن لا نشكر، يعطينا
ويرزقنا فنقابل ذلك بالنكران، يرزق المسيء و الصالح فلا يمنع رزقه و رعايته عن غير
المؤمنين به، يمد لنا و يعطينا الفرصة تلو الفرصة، حتى إذا عدنا إليه فرح بعودتنا
و توبتنا فرحآ شديدآ.
كن
مع الله في كل أحوالك، كن مع الله و لا تبالي، إن قَصُرَ سمعك سمع عنك و إن ضعف
بصرك أبصر لك، وإن خارت قواك حملك و رحمك، و إن كنت ضعيفآ كاد للظالم فنصرك، لا
يحتاجك الله بشيء و أنت تحتاجه بكل شيء، مع ذلك يتقرب إليك و يرحمك و يكون وليآ
لك، فلا تخف و لا تحزن و كن دومآ معه، لا تتكل على حولك و قوتك فأنت ضعيف، احتمي
بحماه و كن منيعآ بمَنَعَته.
إن
توكلك على الله ليسى ضعفآ بل أنت تقوم بكل ما في وسعك، تطلب الرزق، تسعى في مناكب
الأرض لكنك لا تحمل الهم الذي قد يُثقل كاهلك، ما عليك إلا أن تسعى ثم ترمي الحمل
عن ظهرك لأن لك حبلآ متينآ و ظهرآ لا يُكسر مستمدآ القوة من القوي العزيز، الذي لم
يطلب منك سوى السعي و تكفل لك بالنتائج.
أعط
الدنيا ظهرك تأتيك راغمة، يكفيك مجالدتها هو سبحانه، أعط ربك و جهك و سعيك و
استقبل قبلته يضع العالم بين يديك، و لو أعطيته ظهرك و ركضت تسعى معتمدآ على قوتك
خارت قواك لأنك بدون دعمه ستجاهد و تصارع و في النهاية لا تحصل إلا على ما قدره لك.
المؤمن
ذهنه صافي، قلبه مرتاح، أراح نفسه من الحقد و السعي للانتقام من أعداءه، روحه تحلق
في سماء صافية خالية من الغم و الهم، نفسه نقية من سموم الحقد و الكراهية و الحسد،
لا يدخل معارك تتعبه و تستهلكه و تستنزف قواه، جعل همه رضا ربه فكفاه الله كل
الهموم، لا يحمل في قلبه تجاه الناس سوى الحب و التسامح و الرضا، لم لا تكون أنت
ذلك المؤمن، لم لا تكون ممن كفاهم الله…